
كل شيء في هذه الدنيا مكتوب، والإنسان يسير بين أسطر القدر كحرف يمر على المعاني ولا يدرك أبعادها كلها، لكنه حين يرفع رأسه إلى السماء، ويرى في الظلام نجمةً واحدة، يدرك أن الظلام لم يكن إلا ستارًا على النور، وأن المصائب لم تكن إلا ضربات فأسٍ تنحت روحه ليكتمل الشكل الذي أراده الله له.
الإنسان دائم التذمر، يطرق أبواب الحكمة بأيدٍ مرتعشة، يريد أن يفهم.. يريد أن يعرف لماذا فُقد العزيز، ولماذا لم تتحقق الأمنية، ولماذا جاءت الخسارة بدلًا من المكسب. لكنه ينسى أن القدر ليس نقيض الرحمة، بل هو وجهها الآخر، كما أن البحر الهائج ليس نقيض الأمان، بل هو الطريق إلى الشاطئ لمن يحسن السباحة.
إنك حين تنظر إلى القدر من خلال نفسك، لن ترى إلا الغموض والتعسف، ولكن حين تنظر إلى القدر من خلال الله، ترى الرحمة والعناية والجبر. لا يوجد في هذه الدنيا شيء يحدث عبثًا، بل كل شيءٍ بميزان، حتى الألم بميزان، وحتى الحرمان بميزان.
ولو كنتَ بجوار الرامي، فإنك لن تخشى السهم، لأنك في مأمن. ولو كنت بجوار من بيده كل شيء، فلن تفزع إذا ضاع منك شيء، لأن الذي أخذ هو نفسه الذي يعطي، والذي حرمك اليوم، هو الذي قد يفيض عليك غدًا، أو قد يكون قد أعطاك بالفعل، ولكنك لم تدرك بعد.
إن الله لا يريد منك أن تفهم أقداره، بل يريد منك أن تثق فيه. أن تؤمن أن كل فقْدٍ يحمل في رحمه جبْرًا، وأن كل جبرٍ لم يكن إلا بعد فقْد. تريد أن تحيا بلا خسائر؟ هذا محال، فالذهب لا يُصاغ إلا في النار، والإنسان لا يكتمل إلا بالتجارب، وليس في الدنيا من لا يُبتلى، ولكن الفارق الوحيد بين الناس هو في الكيفية التي يقابلون بها الابتلاء. وتذكَّر أن القدر مطويٌّ بالرحمة: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
بقلم/ ابتهال أزهري