بعد الحرب، قد تتغير الخيارات، وتتبدل القناعات، وتتحول الانتماءات. هذا التحول ليس خذلانًا لمن عرفتَهم أو أحببتَهم أو كنتَ قريبًا منهم في الماضي، بل هو نتيجة طبيعية للحرب التي تعصف بكل شيء، فتُغيّر معالم كثيرة في حياة كل فرد منا. وربما تجد نفسك مضطرًا للتخلي عمن تحب، لا جفاءً ولا نكرانًا، بل من أجل المضي قدمًا نحو ما هو أفضل وأكثر توازنًا لحياتك. فالتغير هنا أشبه بدرس عميق يعلمنا ألا نؤجل خياراتنا، ولا نُهمل رغباتنا ومشاعرنا، فالأيام دول، تدور بنا ولا تنتظر أحدًا.
المسالك في الحياة ليست خيارات حرة نضعها على رفوف الذاكرة لنعود إليها متى شئنا، فبعض الطرق إذا فارقناها يصعب الرجوع إليها، وإن عدنا كان ذلك أشبه بالعيش في ماضٍ لن يعود. ومن أكثر من النظر إلى الخلف تخلّف عن الركب، وتأخر عن زمانه. وكما يرى البعض، فإن من صفات المنافقين كثرة الالتفات إلى الوراء؛ فهم عاشوا ماضيهم بالمراوغة في مشاعرهم، والتردد في قراراتهم، فلم يمضوا قُدمًا ولم يستقروا خلفًا.
ما يحدث بعد الحرب، تقبّلوه ولو خالف أمانيكم، فالمواجهة أهون من إنكار الواقع. وفي الغد، عندما تواتيكم الفرصة مرة أخرى، لا تترددوا في اختياراتكم ولا تراوغوا الحياة فيما تحبون، فالتردد اليوم هو عسر الغد. وإن أصررتم على التأجيل، ستجدون أنفسكم يومًا تعيشون حاضرًا ملبدًا بالعسر، وترددون بمرارة: “ظلمتني الحياة.”، والحق يقول: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
بقلم/ ابتهال أزهري