
إن خدمة الأمة، بكل ما تحمله من جلالة وشرف، ليست أمرًا هينًا، بل تتطلب جهدًا وإخلاصًا. فالبعض لا يتحملون مشقة الجد والاجتهاد، ولا يرغبون في خدمة غيرهم. ومع ذلك، فإن كتب التاريخ مليئة بأسماء من خدموا أمتهم، فخلدهم التاريخ وأشاد بهم.
أخي، لو تأملت أحداث التاريخ، واستعرضت شخصياته البارزة، واستفدت من دروسه، لاتفقت معي على أن خدمة الأمة هي طريق الخلود. وأختي، لو تدبرتِ القرآن، وتأملتِ في قصص الأنبياء، لعرفتِ أن خدمة الآخرين هي جوهر العظمة.
لو أننا أصغينا إلى واقعنا، وانتبهنا إلى أحداث العصر، لرأينا أن خدمة الأمة ليست مجرد كلمات، بل أفعال تُخلد في التاريخ. فالمؤرخ المثقف يجد أن صفحات الماضي والحاضر مليئة بأسماء من خدموا أمتهم بإخلاص، فكافأتهم الأمة بتخليد ذكراهم.
هؤلاء الرجال خدموا أمتهم بالإخلاص في العمل، والإنفاق على نهضتها، والسعي لتخليصها من الجهل والتخلف. فاستحقوا الإشادة والتبجيل، ومكافأتهم كانت “العمر الثاني” كما قال المتنبي:
> ذكر الفتى عمره الثاني، وحاجته
> ما قاته، وفضول العيش أشغال.
الخدمة كسنة إلهية:
إن خدمة الآخرين ليست مجرد فعل إنساني، بل هي سنة إلهية. قال تعالى:
> «وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا» (سورة الزخرف، الآية 32).
فالخدمة هي قانون طبيعي في الكون، يربط بين البشر ويجعلهم يعتمدون على بعضهم بعضًا. الرجل يخدم زوجته، والزوجة تخدم زوجها، والوالدان يخدمان أبناءهما، والأبناء يخدمون آباءهم. هذه هي الحكمة الإلهية التي تجعل الحياة تسير بانسجام.
نماذج من خدمة الأمة:
لو نظرت إلى الشعوب المختلفة، لوجدت أنهم يخلدون ذكرى من خدموهم. فالشعب المندكي يذكر مانسا موسى وسوندياتا كيتا، والأمة الإسلامية تحفظ ذكرى الخلفاء الراشدين والأئمة العظام، والغرب يمجّد علماء مثل أينشتاين ونيوتن. كل هؤلاء خدموا أممهم، فخلدهم التاريخ.
خدمة الأمة ليست مجرد واجب، بل هي شرف وعظمة. فمن أراد المجد، فعليه بخدمة أمته. ومن أراد الخلود، فليقدم لها ما يستحق الذكر. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
> «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
بقلم/ عيسى سنغاري