
مُقحلٌ تمامًا كأرضٍ أهلكها الجفاف، أترنح في ظلمات اليأس باحثًا عن ذاتي، أجرّ خلفي خيبتي المثقلة بآثامٍ لا تُحصى، جسدٌ منهكٌ كأطلال منزل هجره ساكنوه ونسيه الزمن، تتآكله الرياح ويعلوه الغبار. يا لعِظم ذنبي وقلة حيلتي! صارت روحي كغريبٍ يتوسد الطرقات، تائهًا بين ما كان وما يجب أن يكون.
صراعٌ مرير لا ينتهي، بين نفسٍ تأمر بالسوء، وقلبٍ يتشبث بخيط الاستقامة. ولكن المغريات تحاصره من كل جانب، وذنوبه تُكبّله بقيودٍ محكمة، حتى يكاد يختنق، عاجزٌ عن الفكاك. كلما همَّ بالنهوض، جره ماضٍ ثقيل، وكلما استنشق نسمة أمل، داهمته رياح الخطيئة. فلا هو ممن استراحوا، ولا هو ممن استطاعوا الفرار. هل من مخرج؟ أم أنني عالقٌ في متاهةٍ صنعتها يداي؟
وسط هذا المد والجزر الفكري الذي أعيشه، يداعب أذني صوتٌ نديٌّ، ينساب كالماء الرقراق بين صخور روحي المتشققة، يزلزل جبال الخطيئة في داخلي وهو يتلو:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}.
أهي رسالة أم صدفة؟ لا بل وعدٌ من الله حتمًا، وعدٌ لمن أثقلته الذنوب، وأضناه البعد. يهمس في داخلي: عدْ، فالباب لم يُغلق، والرحمة تسبق العذاب، والخطوة الأولى تكفي ليحتضنك النور من جديد.
بقلم/ مصطفى الزاكي حسن