
في العلاقات المتناغمة، حيث الأرواح تتلاقى بصدق وتكامل، يصبح الغموض مفهوماً غير قابل للتصدير. يشبه الأمر لعبة الغميضة مع طفل صغير يغمض عينيه ثم يسألك: “أين أنا؟”.
حينما يلتقي شخصان متشابهان في أنماط شخصياتهما، متكاملان بأرواحهما، يجد العقل نفسه عاجزًا عن إدارة العلاقة. لماذا؟
وإذا وجدت من يستكثر عليك هذا الوضوح، من يحتاج إلى الغموض ليشعر بالحركة في العلاقة، أو من يطلب منك أن تكون لغزًا يصعب فهمه، فأكرمه بالتخلي. لماذا؟
حسناً، في فلسفة الوعي واللحظة الحاضرة، التحرر من الأنا والهوية الذهنية، مما يجعل الأرواح المتكاملة والعلاقات التي تتجاوز العقل إلى حالة من الانسجام الفطري.
الغموض غياب للحضور الحقيقي
عندما يكون شخصان متكاملين في أرواحهما، فإنهما لا يحتاجان إلى الألغاز أو التكهنات لفهم بعضهما. وفقًا لفلسفة الوعي اللحظة ، الغموض ينبع من العقل الذي يسعى دائمًا للتحليل والتفسير، لكنه يختفي عندما يتحقق الحضور الحقيقي. العلاقة التي تكون في حالة “وعي” لا تتطلب استراتيجيات ذهنية معقدة، بل تنساب بشكل طبيعي كما تنساب الحياة ذاتها.
التناغم حالة من ما وراء العقل
الحب الحقيقي لا ينبع من العقل بل من الوعي الصافي. عندما يكون شخصان في حالة تناغم، لا يكون هناك حاجة لإدارة العلاقة عقليًا أو التخطيط لكيفية التصرف، لأن كل شيء يحدث بتلقائية. في مثل هذه الحالة، يكون الوجود ذاته هو الدافع، وليس الأفكار
المسبقة أو التوقعات.
لماذا التخلي هو كرم؟
التمسك بشيء غير متوافق مع حقيقتك الداخلية يولّد معاناة. الشخص الذي “يستكثر عليك الوضوح” يعيش في عقله، في خوفه، في تلاعبه بالعلاقات ليحافظ على الإحساس بالأمان. التخلي عن هذا الشخص ليس قسوة، بل إحسان؛ لأنك بذلك تحرره من لعبة الأنا التي يعلق فيها، كما تحرر نفسك من الوقوع في نمط مقاومة غير ضرورية.
العيش في اللحظة بدلاً من تحليل العلاقة
الوعي الحقيقي في العلاقات لا يأتي من تحليل الشخص الآخر، بل من العيش في اللحظة، والاعتراف بأن كل شيء يتغير ويتدفق بدون مقاومة. الأرواح المتكاملة لا تحتاج إلى “تصحيح المسارات” لأنها ببساطة تسير على نفس التردد. أما العلاقات التي تحتاج إلى تحليل دائم، فهي غالبًا تعيش في ظل الأنا
والخوف وليس في نور الوعي والحضور.
العلاقة بين الأرواح المتكاملة لا تحتاج إلى الغموض، ولا تحتاج إلى أن تُدار بالعقل، لأنها ببساطة تتجاوز العقل إلى مستوى أعمق من الحضور والانسجام. ومن يستكثر عليك وضوحك، فهو لم يصل بعد إلى هذه المرحلة من الإدراك، وأفضل ما يمكنك فعله هو التخلي، ليس عقابًا، بل لأنك لا تستطيع إقناع شخص بالحضور إذا كان لا يزال متمسكًا بأوهام الأنا.
بقلم/ ابتهال أزهري