بقلم:محمد الحافظ عبد الله

(إني أحاول أن ألقي اليوم خطبة ,فلا تقولوا قد شبعنا من الخطب ,إنكم قد شبعتم من الكلام الفارغ, الذي يلقيه أمثالي من مساكين الأدباء, أما الخطب فلم تسمعوها إلا قليلا, الخطب العبقريات الخالدات, التي لا تنسج من حروف , ولا تؤلف من كلمات , ولكنها تنسج من خيوط النور الذي يضيء طريق الحق لكل قلب وتحاك من أسلاك النار التي تبعث لهب الحماسة في النفس.

لا تقولوا وماذا تصنع الخطب؟ إن خطب (ديموستين) صبت الحياة في عروق أمة كادت تفقد الحياة ,ونفثت فيها روحًا وملأتها عزمًا , حين استعارت لها من خلال ماضيها , أجنحة تضرب بها في طباق الجو بعدما هاض الزمان جناحها, ووقفت (وهي كلمات) سدا في وجه أعظم قائد عرفته القرون الأولى: الاسكندر , ووجه أبيه من قبله, فليب..وخطبة (الحجاج) أخضعت يوما العراق..وخطب (فيخته)هي التي أنشأت ألمانيا..ما زعمت إني استطيع أن ألقي مثل هذه الخطب..ولا جئت أباري في ميدان البيان, ولكن جئت لأقول الحقيقة التي تملك العقول بصدقها, وتأسر القلوب بجمالها ,فيا أيها المستمعون إليّ مقبلين عليّ )

(1)

أيها الشعب الأبي..! لما كنت أحضر نفسي لألقي على أسماعكم خطبة تليق بمقامكم وتحترم عقولكم ! فزعت إلى مجلدات البلغاء والحكماء في المكتبات,تلك الكتب التي باتت نسيا منسيا ,فعثرت على كتاب نسجت العنكبوت بيتها على نصف عنوانه فلم يبق منه إلا عبارة (المجد) وبسبب عشقي لعبارة المجد وكفاحي من أجل أن نحققه في ساعة من نهار! امتدت يدي إليه فإذا به (هتاف المجد) لأديب العلماء وعالم الأدباء ــ الشيخ علي الطنطاوي ــ أثلجت صدري توطئته , وكأنه تقمص ذاتي ! وفكر بعقليتي! حينما برر لخطبته هتاف المجد التي جاءت في (229) صفحة , لن أسود كل هذه الصفحات لعلمي بـ[ شغلاتكم ومشغولياتكم] , لعلكم تثقون في علماء من هذا الطراز أكثر مما تثقون في نبوأتنا وصدق خطاباتنا بحجة أنها سياسية ..من هنا أوجه تحية إجلال وإكبار خالدة خلود اسم (علي الطنطاوي) إلى روحه الطيبة الطاهرة..

(2)

أيها الشعب التشادي الأصيل,يا أحفاد (دوناما بن أومي) و(عبد الكريم بن جامع) و(برنبيس) إن العبارات لتختفي خلف أستار البلاغة حياء وخجلا لعدم استطاعتها رسم صورة قلمية عن تاريخكم المجيد, ..أقف أمامكم لكن شيئا من الخوف يأكل ألسنة الحديث , لعلو مقامكم وسمو معاليكم..فان قال اليهود هم شعب الله المختار أو قال المصريون نحن أحفاد الفراعنة ذوي الحضارة الضاربة في عمق التاريخ, أو تفرعن الأمريكان والأوربيون لما أوتوا من وسائل المدنية والحضر فيكفيكم شرفا أنكم أصلًا لهؤلاء! فأرضكم مهد للبشرية ,و(توماي) أبو البشر جميعاً, لا يضركم الاعتزاز من شعوب الأرض مجتمعة مادمتم الأصل.

أيها الشعب التشادي المغوار..تذكرون جميعكم الانتصارات التي منينا بها في أكثر من معركة ندخلها وما هذا إلا دلالة على القوة والشجاعة التي يتحلى بها جنودنا الأشاوس دون غيرهم من جنود المعمورة ..! حتى أسطورة القاعدة بددنا ما يحيط بها من خرافة واستطعنا بفضل آلة حربنا وقوتنا وبسالتنا أن نقتل قائد من قيادتها ..انتصرنا حتى على القاعدة !! وهو نصر لم تستطع بلاد ابن أفريقيا أن تحققه.

إن موقعنا في وسط أفريقيا ــ الأرض البكر ــ ولعل الجغرافيون القدماء توصلوا إلى أن أفريقيا تقع وسط قارات العالم وهي من المسلّمات التي يدركها التلاميذ في الابتدائية, نستطيع الجزم على أن دولتنا أرض حضارة الساو تحتل موقعا في وسط الدائرة للكرة الأرضية ,وندعوا لإعادة النظر في الأبحاث الحديثة التي تشير بأن مكة المكرمة ــ وبالتحديد الكعبة المشرفة ــ تحتل موقع (مركز الكون) إن هذا الموقع يجعل من دولتنا الفتية ــ بلاد النهضة , مهد البشرية! ــ ملتقى للثقافات الكونية ,وسوف نعمل جاهدين على أن تكون تشاد هي الأفضل وقبلة العالم!.

(3)

إننا يا معشر الشعب المِعطاء المِجواد ذوي السلالات الطاهرة المطهرة ــ سنحول هذه الأرض إلى درة نادرة في وسط أفريقيا مادامت الإرادة و الإدارة بيدنا..سنحل جميع قضاياكم مع مطلع العام القادم ! ..لن تكون هناك مشكلة للكهرباء ولا الماء..ستكون هناك سكك حديدية تتواصلون بها مع العالم الخارجي..لن يكون هنا في تشاد فقر ولا جهل ولا مرض بعد الآن!..سنقضي على هذا الثلاثي المُشل للحركة..سوف تصبحون أغنياء بل أثرياء الأرض..!فقط بضع سنوات وسيعمل الفرنسي والأمريكي أجراء عند التشادي..! فقط بضع سنوات لا غير وسنجعل من تشاد مرآةً تلمع لتعمي أبصار أعدائنا وحسادنا.

إننا وبفضل مواردنا سنطلق مشاريع طموحة تدر بالفائدة للإنسان ..وقد تبين لكم صدق نوايانا وجميل صنيعنا من خلال ما بنيناه من جسور توازي ما يوجد في البلاد التي يقال ــ لا تغرب عنها الشمس ــ وترون الآن بأم أعينكم وعمق بصيرتكم وقوة سمعكم ما شيدناه ونشيده هنا وهناك من مراكز حضارية , وفنادق ! وفلل! ومدارس! وجامعات! ومستشفيات!.

(4)

قد تردد لدى البعض من العامة الذين لا يفقهون موازنات القوة , ولا قوانين السير في الإطار السياسي, ولا يدرون عن الدولة التشادية شيئا ــ لاعن واردات البترول ولا عن الجمارك ولا دخل الثروة السمكية والحيوانية, مقابل هذا لا يعرفون الميزانية العامة للدولة , وكم نبذل من جهد ونضحي براحتنا من أجل هؤلاء ـــ كلاما لولا حلمنا لأخذناهم أخذة لا يستطيعون الإفلات منها .

إن المساحة الشاسعة التي احتللنا بها المرتبة الخامسة من بين دول أفريقيا تؤهلنا لقيادة الدول الإفريقية على السواء ..سنسعى مع شركائنا في التنمية كالصين وفي الحرب مثل فرنسا وفي السلم كأمريكا وغيرهم إلى العناية بالقطاع الزراعي للاكتفاء الذاتي وإشباع حاجات الأمم الأفريقية من الغذاء لاسيما ونحن نتطلع لدور قيادي كبير يحتّم علينا مد يد العون لإخوتنا الأفارقة في ظل تساقط القيادات الأبوية التي رحلت تاركة فراغا يستحيل ملئه ليس فقط على المستوى المحلي بل حتى على المستوى الدولي ,سنقوم بدور فعال مثل استتباب الأمن في مناطق الصراعات الإقليمية وسنستثمر دورتنا في مجلس الأمن للعب دور رسالي لنشر السلام العالمي بين الشعوب والمساهمة في حلحلت بعض القضايا العويصة التي أعيت المجتمع الدولي!..وهذا لن يكلفنا سوى التنسيق مع الشركاء والاستفادة من الخبرات ..نعم سنطور بلادنا أولاَ وهو أسهل مشوار مادمنا نملك الأرض والماء واليد العاملة ..كثيرون استلهموا من تجارب دول صناعية كبرى وآخرون استنبطوا طرق النجاح والتقدم وفريق آخر استطاع أن يصيغ من بنيات أفكاره استراتيجيات التقدم والرقي ونحن سائرون على هذا النهج..سنة واحدة كفيلة لتكشف للآخرين صدق قولنا ونوايانا..البعض يتساءل عن تداول السلطة وهل سنظل على الكرسي أم (نكرِّم) إنسان غير سيادتنا ؟! وعن مسائل الحرية والديمقراطية وغير ذلك من القضايا الفضفاضة التي دمرت مستقبل العالم .. نحن نعيش في حرية تغبطنا عليها بلاد العم سام..ولن يزحزحنا عن مبادئنا شيطان مارد..الدستور نحن الذين وضعنا بنوده في فترة من الزمن وأدرى بفلسفته أكثر من أي إنسان آخر..ونحن الذين نغير فيه ما نشاء وفقَاَ لمقتضيات الحاجة والظروف..فراحة الفرد خير من كل شيء .. لقمة عيش الشخص خير له من تغيير رئيس أو غفير .. إن أولئك الثوار الذين خرجوا علينا في تلك الفترة الآن عقِلوا وفقهوا ماذا تعني المعارضة..؟ وما هو التغيير؟ الآن أغلبهم رجع إلى (الشرعية) ..واستطعنا بسياستنا الحكيمة أن نغير المسار ..وهذا كله لم نستخدم بعد كل جهودنا..و أوراقنا الرابحة لدى أصدقائنا في المنطقة ..المستقبل لهذا الشعب المجاهد البطل المغوار..تحيا تشاد..يحيا الشعب التشادي ..يحيا زعيمه وقائد نهضته ( الذي هو أنأ!).