
“أسرع، أسرع.. شعب مستعجل!”
هتف بها بائع البقالة بانزعاج من الزبائن الذين يطلبون طلباتهم مستعجلة.
سمعتها عندما اقتربت من الزجاج الفاصل بين أغراض البقالة ومكان وقوف الزبائن، دنوت منه، ماسكًا رأسي المتألم بالصداع بين راحتي يدي المرتجفة من المرض، لم أعِر أي اهتمام لأولئكَ الزبائن الذين سبقوني، صحت بصوت متحشرج:
-“يا معين، هات لي خلطة -علاج للزكام- بسرعة”.
نظر إليَّ البائع، وكان يبدو عليه التعب والإرهاق، من ضوضاء الزبائن والمرض الذي يعاني منه هو الآخر مصاب بالحمى الفيروسية المنتشرة في المدينة منذ بداية موسم الشتاء القارس، يجثو وعلى رأسه قبعة البرد، ويرتدي جوارب صوفية، لا يخلعها إلا عندما يحتاج لإمساك سيمسك شيء قد يتسخ، رد عليَّ:
-“حتى أنت مستعجل؟”.
حينها ابتسمت والتزمت الصبر، بين الزحام عند باب بقالة الحي -الشماسي- بسوق الأشبط.
كنت أراقب حركة البائع في التعامل مع الزبائن وطلباتهم المستعجلة، في هذا اليوم البارد، هل أنا المستعجل وحدي، أم الجميع كذلك؟
من هنا بدأت القصة التي لفتت انتباهي، كالعادة الآن الساعة الواحدة ظهرًا، الجو غائم بعد ليلة ماطرة على مدينة تعز، بعد أن قضى الناس أعمالهم الصباحية، أتوا لشراء أغراضهم اليومية، جائعين، مستعجلين، هاربين من البرد.
دخل أول رجل، يبدو عليه أنه معلم، يرتدي بجامة صوفية، وبنطالًا أسود، ونظارة طبية، كان يسحب نظارته بسبابته إلى رأس أنفه المزكومة لينظر إلى البضاعة البعيدة، ثم يعيدها، تحدث إلى البائع المستقيم أمامه، قائلًا:
“هات لي واحد زبادي، وثلاثة أرغفة خبز، و200 ريال ثلج، لكن أسرع”.
بينما كان البائع يتجول داخل البقالة المليئة بالفوضى، ليجلب طلبات الرجل، دخلت امرأة كبيرة في السن، توقف البائع يسمع ما تريد، وطلبت:
“جيب لي سحاوق وزبادي، وثلج، لكن أسرع”.
“كون أسمع وأنت تشتغل”. قالها الرجل بكل غضب، وأضاف: “خارجني الأول”.
كنت أراقب حالة البائع معين، الذي يخطو يمينًا ويسارًا مثل الأطرش، يبحث عن طلبات الزبائن بين البضاعة، تارة يعود وهو يحمل شيئًا وتارة فارغ اليدين.
حينها دخل أربعة أطفال يحملون حقائبهم المدرسيّة، عائدين من المدرسة، أحدهم أقترب من الزجاج، ليرى ما في داخل البقالة، ثم صاح بصوته المرتفع:
“جيب لي اثنين بطاطس، بسرعة”. لاحظت البائع يتوقف ليسمع للطفل، كعادته يبدو أنه لا يستطيع أن يؤدي مهمتين -استماع، تنفيذ- في وقت واحد.
“وين الزبادي يا معين؟”
صاح المعلم مستاءً هذه المرة، فرد عليه البائع:
“الصبر، الصبر يا أستاذ، ما تشوف الزبائن كل واحد يصيح من مكان”.
ثم صاح الطفل مجددًا: “هي أسرع يا معين، أمي تنتظرني”.
“ومعين كم جهده؟”. قال البائع بصوت مرتفع قليلًا، ثم واصل مهمته في إحضار البضائع من الخانات إلى الزبائن، بعد أن أكمل أغراض المعلم، وأبلغه بالمبلغ الذي عليه، قال له بصوت خافت:
“هي سجل يا معين لراتب”.
وغادر الأستاذ البقالة، نفخ البائع دخان التعب والغضب وقال:
” شعب مستعجل دين”. أخذت من يديه الخلطة وقلت له: “زيد سجل عندك”.
وضحكت بصوت مرتفع وغادرت.
شعيب الأحمدي
0fngt3